نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2614
مع إبراهيم والقلة التي آمنت معه. ثم عاش وحده مع هؤلاء القوم حتى أرسله الله إليهم، ليردهم عما هم فيه، فإذا بهم يهددونه بالإخراج من بينهم، إذا لم ينته عن دعوتهم إلى سواء الفطرة القويم! عندئذ لم يبق إلا أن يعالنهم بكراهة ما هم عليه من شذوذ في تقزز واستبشاع:
«قالَ: إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ» ..
والقلى: الكره البالغ. يقذف به لوط في وجوههم في اشمئزاز. ثم يتوجه إلى ربه بالدعاء أن ينجيه من هذا البلاء هو وأهله:
«رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ» ..
وهو لا يعمل عملهم ولكنه يحس بفطرته الصادقة أنه عمل مرد مهلك. وهو فيهم. فهو يتوجه إلى ربه أن ينجيه وأهله مما سيأخذ به قومه من التدمير.
واستجاب الله دعوة نبيه:
«فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ» ..
هذه العجوز هي امرأته- كما يذكر في سور أخرى- وقد كانت عجوز سوء تقر القوم على فعلتهم المنكرة، وتعينهم عليها! «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً، فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ» ..
قيل خسفت قراهم وغطاها الماء. ومنها قرية سدوم. ويظن أنها ثاوية تحت البحر الميت في الأردن.
وبعض علماء طبقات الأرض يؤكدون أن البحر الميت يغمر مدنا كانت آهلة بالسكان. وقد كشف بعض رجال الآثار بقايا حصن بجوار البحر، وبجواره المذبح الذي تقدم عليه القرابين.
وعلى أية حال فقد قص القرآن نبأ قرى لوط- على هذا النحو- وقوله الفصل في الموضوع.
ثم يعقب على مصرعهم بالتعقيب المكرور:
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» ..